نشرت مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية مقالا مهما للباحثة "مارا ريفكين" (المقيمة حاليا في القاهرة)، تتحدث فيه عن انتشار عصابات الإجرام (البلطجية) في عهد حكم مرسي بالتواطؤ مع بعض الشرطة، فالجريمة آخذة في الارتفاع، والسوق السوداء للأسلحة في ازدهار، والشرطة إما أنها كسولة جدا أو غير مؤهلة للقيام بأي شيء حيال ذلك. فمصر اليوم تتحول من دولة "بوليسية" إلى الانزلاق نحو الفوضى.
"الجميع يحتاج إلى السلاح"، كما تنقل الكاتبة عن محمود، وهو تاجر سلاح مصري يبلغ من العمر 23 سنة، وهو يعرض مخزونه من المسدسات والسواطير والمطاوي على أرضية غرفة المعيشة من شقة عائلته في حي يئن من الجريمة في القاهرة (عين شمس).
وقد كشفت إحصاءات الحكومة المصرية عن زيادة بنسبة 300 بالمائة في جرائم القتل وزيادة 12 أضعاف في عمليات السطو المسلح منذ ثورة 2011، مما يشير إلى استفادة "محمود" وأصحاب المشاريع الأخرى في السوق السوداء من هاجس متزايد للدفاع عن النفس واليقظة المدنية بين المصريين الذين فقدوا الصبر مع عجز حكومتهم لاستعادة الأمن، كما تقول الكاتبة.
وتضيف أن الإحباط جراء انعدام القانون هو من بين العديد من المظالم التي سوف تدفع المحتجين المناهضين للحكومة للخروج إلى الشوارع في 30 يونيو، الذكرى السنوية الأولى لتنصيب الرئيس محمد مرسي.
"محمود" هو واحد من العديد من منتهكي القانون بعد الثورة الذين كانوا ضحايا الجريمة قبل أن يصبحوا جناة. عندما سألته الكاتبة كيف اتخذ قرار البدء في بيع الأسلحة في السوق السوداء، أجاب ساخرا: "ما القرار؟ لم يكن لدي أي خيار". وأوضح "محمود" أنه اشتغل سائق سيارة أجرة لكسب لقمة العيش، ولكن بعد فترة وجيزة من الثورة، تم سرقة سيارته تحت تهديد السلاح من قبل عصابة محلية.
حي "محمود" هو موطن لواحد من الأسواق السوداء الأكثر نشاطا للأسلحة غير المرخصة في القاهرة، حيث يعرض الباعة مجموعة متنوعة من الأسلحة الصغيرة -المسدسات المسروقة من الشرطة والبنادق المصنوعة محليا، والسكاكين، المطاوي ومسدسات الصعق- بأسعار أقل من أسعار السوق.
ورغم أن القانون المصري يحظر بيع الأسلحة غير المرخصة، فإن هذه الأسواق غير الرسمية قد ازدهرت منذ الأيام الأولى للثورة. إنها تعمل بشكل واضح وغالبا على مرأى من الشرطة، الذي أظهر حتى الآونة الأخيرة القليل من الاهتمام في تنظيم التجارة غير المشروعة، على الرغم من ارتفاع معدلات الجريمة.
حتى في وسط القاهرة، فقد كان معروفا أن تجار الأسلحة غير المرخصة أنشأوا متجرا على بعد خطوات من الرموز البارزة للسلطة القضائية: بناية نقابة المحامين ومقر المجلس الأعلى للقضاء.
المصريين عاشوا من قبل خائفين من الدولة، أما الآن فيخشون من ضعف وجودها.
في الأيام هذه التي تسبق احتجاجات 30 يونيو، حاولت الشرطة القضاء على تجارة الأسلحة غير المشروعة، ولكن التجار مثل "محمود" بارعون في التهرب من السلطات. عندما تقترب الشرطة، فإنهم يحركون ببساطة بضاعتهم إلى مكان آخر، ليبيعوا الأسلحة من المنازل الخاصة الآمنة أو السيارات المتوقفة.
وتتراوح أسعار الأسلحة المعروضة في السوق السوداء بين الرخيص والغالي: المطواة بحوالي 75 جنيه ($10.75)، ويمكن شراء بندقية محلية الصنع بحوالي 700 جنيه (100 دولار). في حين تباع مسدسات بما يزيد عن 2000 جنيه (285 دولار). وأصبحت السكاكين الصغيرة خيارا رائجا في أوساط النساء بسبب الزيادة في الاعتداء والتحرش الجنسي منذ قيام الثورة.
مثل رجال الأعمال والمقاولين البارعين، استغل تجار الأسلحة في زمن قياسي المخاوف من الجرائم العنيفة.
وتقول الكاتبة إن العديد من البنادق المعروضة للبيع في السوق السوداء أتت من آلاف الأسلحة النارية التي نُهبت من أقسام الشرطة خلال الثورة. ويتم تهريب الأسلحة الأخرى عبر الحدود المصرية مع ليبيا والسودان، وفقا لفيصل الحجازى، ضابط البرنامج المعني بالمخدرات والأسلحة في مكتب الأمم المتحدة.
وفي هذا الوقت الحساس، تواجه الحكومة المصرية إضرابات متقطعة من قبل العاملين في القضاء وضباط الشرطة.
وتقول الكاتبة إن المصريين يشتكون من أن الشرطة لم تعد انتشارها لشكل كامل بعد انسحابها من الشوارع خلال الثورة. وتلك القلة الموجودة في الشوارع لا تفعل شيئا لمكافحة الجريمة.
وتحدثا الكاتبة مع أحمد الشناوي، وهو خبير مصري في الإجرام، وروى لها أن أحد الجيران في الإسكندرية، والذي يملك قطعة أرض، اكتشف مؤخرا أن شخصا غريبا بنى عليها مسكنا بصورة غير قانونية. وعندما طالب الشرطة المحلية بالتدخل، قيل له لا يكن القيام بأي شيء هناك شيء، وأضاف أن الشرطة نصحته باستئجار بعض "البلطجية" لطرده بالقوة.
وثمة شكوى أخرى شائعة من قبل ضحايا سرقة السيارات، أن الشرطة ترفض مساعدتهم، وبدلا من ذلك توصي بأن أنها تسعى للبحث عن اللصوص وتعرض عليهم إعادة شراء سياراتهم المسروقة.
مثال آخر تورده الكاتبة على "الإهمال المتعمد" لبعض الشرطة، عن "شاهيناز نبيه"، وهي صحفية بريطانية مصرية، اتصلت في مرة من المرات الشرطة بعد أن رأت مجموعة من البلطجية يضربون رجلا في حي "العجوزة" بالقاهرة، وعندما سألت ما إذا كانت الشرطة قد تتدخل بسرعة، رد عليها الشرطي على الهاتف بما يوحي بعدم المبالاة: "إن شاء الله"، وأغلق السماعة في وجهها، إلا أن الشرطة لم تتدخل أبدا، واستمرت المعركة لمدة ساعتين حتى توفي الضحية في الأخير.
في مثل هذه الحالات، تقول الكاتبة، فإن رفض الشرطة القيام بعملها يرتبط باللامبالاة وعدم الكفاءة أكثر مما له علاقة بالفساد. لكن تقارير أخرى تشير إلى ظاهرة أكثر خبثا: تواطؤ الشرطة مباشرة في الجريمة المنظمة.
إذ إن العصابات الإجرامية هي من بين أكبر المستفيدين من الانفلات الأمني بعد الثورة. ذلك أنها تعمل كبديل لأفراد أمن الدولة في الأحياء الفقيرة الأكثر خطورة في القاهرة، وبإذن ضمني وحتى تشجيع من الشرطة.
وفي هذا، تنقل الكاتبة عن "هيثم طبي" (قد لا يكون الاسم الثاني دقيقا)، وهو صحفي مصري يكتب عن الجريمة في المناطق الحضرية، قوله إن الشرطة تخلت عن السيطرة، عن طيب خاطر، على أحياء بأكملها في القاهرة لصالح العصابات الإجرامية. وهذه المجموعات المفترسة احترفت الأعمال غير المشروعة من الابتزاز والاتجار غير المرخص والدعارة مع الإفلات التام من العقاب، والتعاقد مع البلطجية (وأحيانا حتى الأطفال) لتشكيل الميليشيات الخاصة بها.
خارج القاهرة، تقول الكاتبة، تبدو المشكلة أكثر حدة. عصابات السيطرة على قطاعات بأكملها من الطرق السريعة الرئيسة في صعيد مصر وسيناء، حيث يتم ترويع سائقي الشاحنات بأسلحة نصف آلية واستخدام التهديد بسرقة السيارات لابتزاز الشركات التي تعتمد على النقل البري لشحن بضائعها بالإتاوات.
وتقول الكاتبة إنه تغيير اسم أكره وأسوأ جهاز شرطة في عهد مبارك: جهاز أمن الدولة (مباحث أمن الدولة) باسم وكالة الأمن الوطني، في محاولة لإظهار التزامها المفترض في حماية الشعب.
لكن على الرغم من اللافتات الجديدة وإحداث تغييرات على مستوى مجموعة من الأفراد، فقد تم الحفاظ، إلى حد كبير، على أخطر جهاز في عهد مبارك "أمن الدولة".
ويقود مسؤول سابق في الشرطة، محمد محفوظ، حملة لإصلاح الشرطة الوطنية وإعادة تأهيلها وتحسين صورتها العامة، ولكن عندما سألته الكاتبة عن مدى التقدم الذي تم إحرازه بشأن هذه القضية، فأجاب بصراحة: "لا شيء على الإطلاق".